فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {ولا تعضلوهن} قال: لا تضر بامرأتك لتفتدي منك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {ولا تعضلوهن} يعني أن ينكحن أزواجهن، كالعضل في سورة البقرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كان العضل في قريش بمكة، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد، فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبيِّنة} قال: البغض والنشوز. فإذا فعلت ذلك فقد حلَّ له منها الفدية.
وأخرج ابن جرير عن مقسم {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن} في قراءة ابن مسعود وقال: إذا آذتك فقد حل لك أخذ ما أخذت منك.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {إلا أن يأتين بفاحشة مبيِّنة} يقول: إلا أن ينشزن. وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب {إلا أن يفحشن}.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الفاحشة هنا النشوز.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عطاء الخراساني في الرجل، إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك الحدود.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {إلا أن يأتين بفاحشة} قال: الزنا. فإذا فعلت حلَّ لزوجها أن يكون هو يسألها الخلع.
وأخرج ابن المنذر عن أبي قلابة وابن سيرين قالا: لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها لأن الله يقول: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
وأخرج ابن جرير عن جابر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فَرْشَكُم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس إن النساء عندكم عوان، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا، ولا يعصينكم في معروف، وإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وعاشروهن} قال: خالطوهن. قال ابن جرير: صفحه بعض الرواة. وإنما هو خالقوهن.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: حقها عليك الصحبة الحسنة والكسوة والرزق المعروف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {وعاشروهن بالمعروف} يعني صحبتهن بالمعروف {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا} فيطلقها فتتزوج من بعده رجلًا، فيجعل الله له منها ولدًا، ويجعل الله في تزويجها خيرًا كثيرًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} قال: الخير الكثير. أن يعطف عليها فيرزق الرجل ولدها ويجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: فعسى الله أن يجعل في الكراهية خيرًا كثيرًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} قال: الولد.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: إذا وقع بين الرجل وبين امرأته كلام فلا يعجل بطلاقها وليتأن بها وليصبر، فلعل الله سيريه منها ما يحب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: عسى أن يمسكها وهو لها كاره فيجعل الله فيها خيرًا كثيرًا، قال: وكان الحسن يقول: عسى أن يطلقها فتتزوج غيره فيجعل الله له فيها خيرًا كثيرًا. اهـ.

.تفسير الآيات (20- 21):

قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما نهى عن العضل تسببًا إلى إذهاب بعض ما أعطيته المرأة أتبعه التصريح بالنهي عن أخذ شيء منه في غير الحالة التي أذن فيها في المضارة فقال: {وإن} أي إن لم تعضلوا المرأة، بل {أردتم استبدال زوج} أي تنكحونها {مكان زوج} أي فارقتموها أو لا، ولم يكن من قبلنا ما يبيح الضرار.
ولما كان المراد بزوج الجنس جمع في قوله: {وآتيتم إحداهن} أي إحدى النساء اللاتي وقع الإذن لكم في جمعهن في النكاح سواء كانت بدلًا أو مستبدلًا بها {قنطارًا} أي مالًا جمًا {فلا تأخذوا منه شيئًا} أي بالمضارة عن غير طيب نفس منها، ولا سبب مباح، ثم عظم أخذه باستفهام إنكار وتوبيخ فقال: {أتأخذونه} أي على ذلك الوجه، ولما تقدم أن من صور الغصب على الافتداء حال الإتيان بالفاحشة شبه الأخذ في هذه الحالة التي لا سبب لها بالأخذ في تلك الحالة، فجعل الأخذ على هذه الصورة قائمًا مقام القذف بما لا حقيقة له فلذلك قال: {بهتانًا وإثمًا مبينًا} أي كذوي بهتان في أخذه وإثم مبين- لكونه لا سبب له- يورث شبهة فيه، ثم غلظ ذلك باستفهام آخر كذلك فقال: {وكيف تأخذونه وقد} أي والحال أنه قد {أفضى} أي بالملامسة {بعضكم إلى بعض} أي فكدتم أن تصيروا جسدًا واحدًا {وأخذن} أي النساء {منكم} أي بالإفضاء والاتحاد {ميثاقًا غليظًا} قويًا عظيمًا، أي بتقوى الله في المعاشرة بالإحسان وعدم الإساءة، لأن مبنى النكاح على ذلك وإن لم يصرح به فيه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

لما مضى في الآية المتقدّمة حكم الفراق الذي سببه المرأة، وأن للزوج أخذَ المال منها عقَّب ذلك بذكر الفراق الذي سبّبه الزوج، وبيّن أنه إذا أراد الطلاق من غير نُشُوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها مالًا. اهـ.

.قال الفخر:

قالوا: الآية تدل على جواز المغالاة في المهر، روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: ألا لا تغالوا في مهور نسائكم، فقامت امرأة فقالت: يا ابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنع وتلت هذه الآية، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر، ورجع عن كراهة المغالاة.
وعندي أن الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة لأن قوله: {وآتيتم إحداهن قنطارا} لا يدل على جواز إيتاء القنطار كما أن قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] لا يدل على حصول الآلهة، والحاصل أنه لا يلزم من جعل الشيء شرطا لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع، وقال عليه الصلاة والسلام: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين» ولم يلزم منه جواز القتل، وقد يقول الرجل: لو كان الإله جسما لكان محدثا، وهذا حق، ولا يلزم منه ان قولنا: الإله جسم حق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} الآية.
دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لأن الله تعالى لا يمثِّل إلاَّ بمباح.
وخطب عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تَغالوا في صَدُقات النساء فإنها لو كانت مَكْرُمَة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أصدق قَطّ امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقِية.
فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتَحْرِمنا أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر ا.
وفي أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ.
وترك الإنْكارَ.
أخرجه أبو حاتم البستيّ في صحيح مسنده عن أبي العَجْفاء السلمي قال: خطب عمر الناس، فذكره إلى قوله: اثنتي عشرة أوقية، ولم يذكر: فقامت إليه امرأة.
إلى آخره، وأخرجه ابن ماجه في سننه عن أبي العَجْفاء، وزاد بعد قوله: أوقية.
وأن الرجل ليُثْقِل صَدُقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه، ويقول: قد كَلِفْت إليكِ عَلَق القِربة أو عَرَق القِربة؛ وكنت رجلًا عربيًا مَوْلِدًا ما أدري ما عَلَق القربة أو عرق القربة.
قال الجوهري: وعَلَق القِربة لغةٌ في عَرَق القربة.
قال غيره: ويُقال عَلَقُ القربة عِصامُها الذي تُعَلّق به.
يقول كلِفت إليكِ حتى عِصام القِربة.
وعرق القربة ماؤها؛ يقول: جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القِربة، وهو ماؤها في السفر.
ويُقال: بل عرق القِربة أن يقول: نصِبت لك وتكلفت حتى عِرقت عرق القِربة، وهو سيلانها.
وقيل: إنهم كانوا يتزوّدون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه فيشق على الظهر؛ ففسر به اللفظان: العرَق والعَلَق.
وقال الأصمعي: عرق القِربة كلمة معناها الشدّة.
قال: ولا أدري ما أصلها.
قال الأصمعي: وسمعت ابن أبي طَرَفَة وكان من أفصح من رأيت يقول: سمعت شيخاننا يقولون: لقيت من فلان عرق القِربة، يعنون الشدّة.
وأنشدني لابن الأحمر:
لَيْسَتْ بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وَعَفْوُها ** عَرَقُ السِّقاءِ على القَعُود اللاّغِبِ

قال أبو عبيد: أراد أنه يسمع الكلمة تُغِيظه وليست بشتم فيؤاخذ صاحبها بها، وقد أبلغت إليه كعرق القربة، فقال: كعَرق السِّقا لمّا لم يمكنه الشعر؛ ثم قال: على القَعُود اللاغِبِ، وكان معناه أن تعلق القربة على القَعود في أسفارهم.
وهذا المعنى شبيه بما كان الفرّاء يَحكيه؛ زعم أنهم كانوا في المفَاوِز في أسفارهم يتزوّدون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه؛ فكان في ذلك تعب ومشقة على الظهر.
وكان الفرّاء يجعل هذا التفسير في عَلَقَ القِربة باللام.
وقال قوم: لا تُعطي الآيةُ جواز المغالاة بالمهور؛ لأن التمثيل بالقِنْطار إنما هو على جهة المبالغة؛ كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد.
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجدًا ولو كَمَفْحَص قَطَاة بنى الله له بيتًا في الجنّة» ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمَفحص قطاة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن أبي حَدْرَدٍ وقد جاء يستعينه في مهره، فسأله عنه فقال: مائتين؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عُرْض الحَرّة أو جبل» فاستقرأ بعض الناس من هذا منع المغالاة بالمهور؛ وهذا لا يلزم، وإنكار النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل المتزوّج ليس إنكارًا لأجل المغالاة والإكثار في المهور، وإنما الإنكار لأنه كان فقيرًا في تلك الحال فأحوج نفسه إلى الاستعانة والسؤال، وهذا مكروه باتِّفاق.